بسم الذي أنزلت من عنده السور ** والحمد لله أما بعد ياعمر
إن كنت تعلم ما تأتي وماتذر ** فكن على حذر قد ينفع الحذر
واصبر على القدر المقدور وارضَ به ** وإن أتاك بما لا تشتهي القدر
فما صفى لامرء عيش يسر به ** إلا وأعقب بوم صفوه كدر
واستخبر الناس عما أنت جاهله ** إذا عميت فقد يجلو العمى الخبر
قد يرعوي المرء يوما بعد هفواته ** وتحكم الجاهل الأيام والغير
إن التقى خير زاد أنت حامله ** والبر أفضل شيء ناله البشر
من يطلب الجَوْر لم يظفر بحاجاته ** وطالب العدل قد يهدي له الظفر
وفي الهدى عبر تشفى القلوب بها ** كالغيث ينضر عن وسمييه الشجر
وليس ذو علم بالتقوى كجاهلها ** ولا البصير كأعمى ماله بصر
والرشد نافلة تهدي لصاحبها ** والغي يكره منه الود والصدر
قد يوبق المرء أمر وهو يَحقره ** والشيء يانفس يَنمى وهو يحتقر
لايشبع النفسَ شيءٌ حين تحرزه ** ولا يزال لها في غيره وقر
ولا تزال وإن كانت لها ساعة ** لها إلى الشيء لم تظفر به نظر
والذكر فيه حياة للقلوب كما ** يحيي البلاد إذا ما ماتت المطر
والعلم يجلو العمى عن قلب صاحبه ** كما يُجَلِّي سواد الظلمة القمر
لا ينفع الذكر قلبا قاسيا أبدا ** وهل يلين لقول الواعظ الحجر ؟
مايلبث المرء أن يبلى إذا اختلفت ** يوما على نفسه الروحات والبكر
والمرء يُصعد ريعان الشباب به ** وكل مُصعِدة يوما ستنحدر
بين ثرى الغصن لَبـِنا في أروماته ** ريان صار حطاما جوفه نخر
وكل بيت خراب بعد جدته ** ومن وراء الشباب الموت والكبر
والموت جسر لمن يمشي على قدم ** إلى الأمور التي تخشى وتنتظر
كل يمر عليه ثم تجمعهم ** دار إليها يصير البدو و الحضر
كم من جميع أشَتَّ الدهر شملهم ** وكل شمل جميع سوف ينتثر
من كان في معقل للحرز أسلمه ** أو كان في قُمُرٍ لم ينجه قُمُرُ
ورب أصيد سام الطرف معتصبٍ ** بالتاج نيرانه للحرب تستعر
يظل مفترش الديباج محتجبا ** عليه تبنى قباب الملك والحُجَرُ
قد غدرته المنايا وهو مستلـَب ** مجندلٌ تاربُ الخدين منعفر
فبعد هذا ماترجون البقاء وهل ** تبقى فروع لأصل حين ينهصر ؟
لكم بيوت بمستلِّ السيول وهل ** يبقى على الماء بيتٌ أسُّه مَدَر ؟
إلى الفناء وإن طالت سلامتهم ** مصير كل بني أنثى وإن كبروا
إن الأمور إذا استقبلتها اشتبهت ** وفي تدبرها التبيان والعبر
والمرء ماعاش في الدنيا له أمل ** إذا انقضى سفر منها فسفر
لها حلاوة عيش غير دائمة ** وفي العواقب منها المُرُّ والصَبـِر
إذا قضت زمر آجالها نزلت ** على منازلها من بعدها زمر
أصبحتم جزراً للموت يأخذكم ** كما البهائم في الدنيا لكم جزر
وليس يزجركم مـا توعظـون بـه ** والبهم يزجرهـا الراعـي فتنزجـر
لا تبطروا واهجروا الدنيا فـإن لهـا ** غبا وخيماً وكفـر النعمـة البطـر
ثم اقتدوا بالأولى كانوا لكـم غـرراً ** وليـس مـن أمـة إلا لهـا غـررُ
متى تكونوا علـى منهـاج أولكـم ** وتصبروا عن هوى الدنيا كما صبروا
ما لي أرى الناس والدنيـا موليـة ** وكل حبـل عليهـا سـوف ينبتـر
لا يشعرون بمـا في دينهـم نقصـوا ** جهلاً وإن نقصـت دنياهـم شعـروا
حتى متى آن في الدنيا أخـو كلـفٍ ** في الخدِّ منـها إلـى لذتهـا صعـروا
ولا أرى أثراً للذكـر فـي جسـدي ** والحبل في الحجر القاسي لـه أثـر
لو كان يسهر عينـي ذكـر آخرتـي ** كمـا يؤرقنـي للعاجـل السـهـرُ
إذاً لداويـتُ قلبـا قـد أضـر بـه ** طول السقام وهيض العظـم ينجبـرُ
ثم الصلاة علـى المختار سيدنـا ** ما هبت الريح واهتزت بها الشجـر
أرجو الله أن ينفع بها أمة محمد صلى الله عليه وسلم